كتابات الازمة : امرلي والموصل - المالكي والدستور ومعصوم واللغة

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
14/09/2014 06:00 AM
GMT



آمرلي والموصل : دروس النصر والهزيمة!

في التجربة السياسية العراقية هناك نوعان من الأفعال الديماغوجية ، واحدة تغطي النصر والأخرى تغطي الهزيمة . يحاول الديماغوجي في النصر أن ينسينا هزيمة أكبر مغلقا الباب خلفها ، مع محاولة سرقة النصر. وعند الهزيمة يقدم تبريرات بوجود خيانة ومؤامرة.   
آمرلي والموصل : الشجاعة والاستبسال إزاء الهزيمة المنكرة . الأولى نعرف أسبابها ، نعرف على وجه التحديد أن بسالة أهلها كانت مفتاح النصر، ومن دونهم ما كانت آمرلي أن تكون غير واحدة من فتوحات داعش وهزيمة للعراق الواحد. ما من قانون للنصر مجرب ومؤكد غير أن يقاوم الناس ويدافعون عن حياتهم وقيمهم ضد العدوانيين. هذا القانون تجسد في آمرلي ، أقامه الناس ، توزعوا مسؤولياته دون خوف. ولأنهم ضربوا المثل على الصمود ، بات مثلهم هو الذي يكلل رؤوس أولئك الذين كسروا الحصار عنهم. تلك هي تتمة قانون النصر ودروسه البسيطة.
لكن ثمة من يريد أن يغطي هزيمة الموصل بنصر آمرلي ، يغطي بأصوات النصر المبتهجة هزائم مجموعة "الكنبر" التي سلمت الموصل دون أن تطلق رصاصة واحدة. لا أريد هنا أن أشوش على حماس الناس ، بل لأني أنا نفسي أقلق من أولئك الديماغوجيين الذين سيختفون خلف هذا النصر ، ثم ينسينا الحماس دورهم المشين. دعوني أقول بصراحة أكثر أن النصر نفسه يقلقني عندما لا يصان ولا ينمو. إن حسم معركة في سياق حرب واسعة يحتاج الى صيانة وإدامة وأسئلة تتوغل في معناه السياسي والعسكري وظروفه. كل نصر في ظروف مناخ ديماغوجي يمكن أن يسرقه سياسي سافل، عندها لن نجد في قلوبنا غير الحزن والأسى واللامبالاة وانعدام الأمل. وبالعكس أرى أن التحلي بشجاعة البحث عن الحقيقة، وعدم الاستسلام للشائعات، يسترجع مركز الحقيقة في نفوسنا.
في حرب تشرين من عام  1973 كتبت مجموعة من المقالات في صفحة (آفاق- الجمهورية) جربت فيها أن أكبح الحماس لمصلحة الذكاء وإعمال العقل . أشرت في واحدة منها الى أنه في الوقت الذي تدك القنابل مواقع العدو الصهيوني، علينا إسقاط النسق الانشائي الشعري الذي لا ينتج معرفة جديدة. كنت أنتقد كتابات انشائية تتغزل بالوطن والأمة ولا تقول شيئا. في الأخرى أشرت إلى أن علينا أن نكون مستعدين لمفاجآت المعارك ومتيقظين لتطوراتها غير المتوقعة ، فكل نصر يخرج من احتمالية ناتجة عن تلاحم أو انفراط الكثير من النقاط والمماسات والمصادفات في سياق علاقات القوى وطبيعة المتحاربين وخلفياتهم . في حينها كان صخب المعركة لا يوجه الانتباه الى هذه (النغبشة) الناعمة من إنسان لا يريد أن يكون غبيا . لقد مرّت الملاحظة الأخيرة بوجه خاص مرور الكرام إلاّ من صديق نبيه سألني عنها فأجبته : انتظر وسترى. من يثق بالبطرياركيات العربية إما غبي وإما يتغابى!
أنتم تعرفون كيف انتهت حرب تشرين التي ظهر أنها حرب تحريك لا تحرير. في الحقيقة أن من قرّر أفق المعركة في نهاية التحليل ، ليست الجيوش العسكرية ، بل الأنظمة السياسية. ههنا المضمون (ههنا الوردة فالنرقص هنا!) . هناك بالطبع خطوط أخرى تظهر فيها بطولات الجنود في عبور قناة السويس ، ومثلها المعارك الأولى لاسترداد الجولان . بيد أن أية مراجعة عسكرية وسياسية للخطط والعمليات ستكشف تفاهة النظامين السوري والمصري وسمسرتهما بأرواح الجنود. أعيدوا قراءة أحداث هذه الحرب فستجدون أفضل ما في خصال الجنود والضباط الصغار إزاء أفشل الأنظمة السياسية وأكثرها مخادعة. ولعلّ حكاية دخول الجيش العراقي في المعركة وهو لا يمتلك حتى خرائط أرض المعركة ولا مواقعه فيها، يعد مثالا مزدوجا يقع ما بين البطولة المجنونة ، وعدم المسؤولية التي يتحملها نظام أراد أن يضرب المثل على روح التضامن القومي في ضرب من المنافسة السياسية (دمر نحو لواء عراقي بعد دخوله في كماشة اسرائيلية وهو بلا إرشاد.. بيد أنه خاض معركة بطولية). 
إن الأنظمة العربية كلها سارت عمياء بلا خرائط في قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية ، وفي الحروب لم تنجح الا في الحرب على شعبها الأعزل فوقعت في وهم أنها قادرة على الصمود أمام العدو الامبريالي والصهيوني . إنها أنظمة غير ديمقراطية، غير عادلة ، فارغة ، لا تصلح الا للصياح والجعجعة والتنصل عن واجباتها. وبسبب قسوتها وقيامها بركوب الدولة أفسدت أنساق الضبط الاجتماعي كلها ، وحولت المعارضة السياسية على صورتها القبيحة من حيث الجهل والحماقة وانعدام خرائط الطريق . ها نحن في إناء يغلي بتراكيب الماضي الفاشي وتراكيب أنظمة جاهلة بمتطلبات الحداثة والدولة الديمقراطية ، إناء ينتج ولادات مشوهة تفرّ من الحاضر الى الماضي ، ثم تسحب الماضي الى الحاضر. ها هي داعش الارهابية إذن تحيي نظام الخلافة على أساس طائفي صرف، وهاهم أولاء يسحبون اجتماع السقيفة الى الحاضر ليخوضوا معركة الطائفة. إن المشوّه يقوم بالتشويه، ويسقط صورته المرعبة على كل شيء. 
التسليم بالأمر الواقع: هذا ما كتبته في عمود سابق. كنت أؤشر الى أن (الأمر الواقع) بات صناعة ، وهناك من يسهمون في هذه الصناعة ، ويجعلوننا ندور في دائرتها بلا خيال وأحلام وجرأة، ولا نتخطاها حتى في لغة التحليل. بل لعلنا بسبب سياسة الأمر الواقع نأخذ على عاتقنا مهمة الهرب من الحرية. بعد سقوط الموصل المخزي بيد داعش بات للأمر الواقع أمثلة سياسية حية وكبيرة ، ثم زاد سمنة بعد اكتساح داعش لسنجار وسهل الموصل وحوض زمار وتكريت وغيرها من مناطق العراق ، بما جعلني أؤمن أن مجموعة 2003 الطائفية هي جوقة واحدة وإن اختلفت . إنهم شيعة وسنة وكرد ، صنعوا واقعا سيئا وطالبونا بالتكيف معه ، مغطين على سهوهم وتحزباتهم الى طوائفهم وليس الى بلدهم العراق.
كتب الزميل المهاجر نوزت شمدين قائلا إن الموصل لم تسقط في شهر حزيران المنصرم بل أقدم من ذلك بكثير ، ثم سرد وقائع عن سيطرة الارهابيين على المدينة فيما كان الجيش يصنع حواجزتسمح للسيارات المفخخة بالعبور بينما تجعل حياة المواطنين صعبة ، وضباطه يتسلمون الرشاوي من الأهالي ومن الارهابيين. كانت "القاعدة" التي استورثتها "داعش" تأخذ خاوة عن أعمال البيع والشراء، ومن التجار والمقاولين وأصحاب المصالح والدكاكين والمزارعين بواسطة التهديد بالقتل ، بل إنها سيطرت على مقاولات الدولة تقريبا ، وكانت تنفّذها بأسماء تجار ومكاتب تجارية ومقاولين محليين استسلموا للـ (الأمر الواقع) بعد أن اقتنعوا أن الجماعات الارهابية هي الدولة الحقيقية وليس جيش المالكي ولا المحافظ تاجر الخيول الحائر ما بين قادة جيش بغداد الفاسد وبين عمله التجاري . الحقيقة أن هذه المعلومات كانت معروفة حتى قبل قيام المالكي بحملاته الفاشلة هناك ، وقد كتب عنها صحفيون شبان رائعون من الموصل نشر موقع "نقاش" مقالاتهم . (أنا نفسي كتبت تقريرا بهذا الشأن في صحيفة "الناس"). فإذا كان القائد العام لا يدري بهذه الحقائق ، وإذا كان قادة الجيش في الموصل لا يدرون، برغم وجود مصادر معلومات هائلة وكتابات لم يخش أصحابها وضع أسماءهم عليها، فلم يبق غير "داعش" التي عرفت لمرتين: عن الموصل الساقطة في أحضانهم ، وعن حكومة المنطقة الخضراء الفاسدة. هذا ما يسمى بالانكشاف في الأدب السياسي ، لكن في الموصل كانت الحكومة بقواتها عارية عريا مخجلا بحيث لم تحظ باحترام السكان وثقتهم. هذا هو حدث حزيران 2014 بالتمام والكمال . عودوا الى هذه الكتابات حتى لا ننسى ونضلل أنفسنا بحقيقة شركاء داعش الموضوعيين الذين فروا من الباب لكي يعودوا من الشباك حاملين شعلة تحرير الموصل.
في عام 1927 طبعت مطبعة عراقية كتيبا كتبه الشيخ نعمان الأعظمي عن سقوط بغداد بيد المغول. الأعظمي كان خطيبا لمنبر جامع ابي حنيفة النعمان ، لكنه وهو المتنور كتب يصف تحميل العلقمي مسؤولية سقوط بغداد لأنه شيعي بالفرية الطائفية ، فبغداد كانت قد سقطت من زمان. لا حظوا أن رجل دين سني أدرك مبكرا خطر بعض الاكاذيب الطائفية على مستقبل وعينا المجتمعي . بيد أن الفرية نفسها أعيدت الى الحياة في السنوات الاخيرة من حكم صدام كضرب من التأكيد على "العدو الفارسي" ، لكن المتنورين جميعا عرفوا أن النظام بات هو نفسه العدو الداخلي ، وأنه أسهم موضوعيا بإسقاط بغداد بيد الامريكان. 
الموصل هي الأخرى سقطت من زمان ، وموضوعيا أسهم قادة الجيش والحكومة الشبيهتان ببنطلون مرقّع مع الدواعش على اسقاطها. ثمة من يتحدث عن الحواضن كأنها بيئة طائفية خالصة تنمو فيها أشجار تثمر دواعشا. هذه فرية طائفية هي الأخرى. المالكي تحدث عن مؤامرة ضده أثناء ما كانت روحه ترفرف على الولاية الثالثة ، ولا أظنه كان معنيا بالموصل ، ولا أظنه استمع الى أصوات شريفة تتحدث عن الموصل الساقطة كثمرة ناضجة بأحضان داعش . لكن من يحاسبه؟ 
في غياب الدولة والقانون، وغياب قوات مسلحة تعرف واجبها الوطني ، يضطر الناس الى الاستسلام للأمر الواقع ، أي أنهم يستسلمون للطغيان والشر. ها هي صيغة الأمر الواقع عندما تعمل في الحياة ، وليس كما يصفها السياسي. إنها صناعة سياسية – اجتماعية ظاهرها لا يشبه باطنها ، تتشكل ببطء ثم تبدو كأنها هي كل الواقع. من هنا قد تنسينا مسدسات كاتمة الصوت والاغتيالات المنظمة والابتزاز وضغوط الحياة وتفاهة السياسيين والطائفيين والضعف ومن ثم الخيانة، فهذه كلها تصنع "أمرا واقعا" بطعم الاحتقار والخذلان والهزيمة .
بعد نجاة زمرة "الكنبر" الفاسدة والمتخلفة، وأسوأ ما في مكاتب رئيس الوزراء والقائد العام من جهلة (أراهن أنهم سيحظون بمناصب كبيرة!)، من يدري إذا كان الأمر الواقع سيمتلك برنامجا عريضا يكون بمقتضاه أن نسامح الخونة واللصوص والفارين والمتاجرين بقوت الشعب. سيقولون لنا لا تنكئوا الجراح ما دام بيتنا الوطني المشترك يحترق. ليس هذا أوان التجريح وإثباط الهمم . أجلّوا اللّوم الى حين النصر الكبير. لنكن مثل فضائية "العراقية" التي تصمت مع صمت القائد العام ، وتتحدث إذا ما تكلم. كم مرة وجدنا أنفسنا في مثل هذا الموقف في تاريخنا السياسي، وطولبنا بدفع ثمنه من سكوتنا واختناقنا بالكلمات والبكاء والغضب؟ كم مرة سمعنا من يقول "نظرا للظروف العصيبة التي يمر بها قطرنا العزيز"؟. بهذه الظرفية التي لا تنتهي ، المتمددة على الجسد العراقي، متورمة من الخلف والأمام ، جرى تدمير حياتنا وحرياتنا، وذهبوا بنا الى مئة حرب وحرب : حروب أهلية ، حروب سرية ، حروب سرسرية، تكرست فيها مشاعر المهانة والخذلان ، وصمت القبور في بلد المقابر!    
أقترح عليكم العودة الى الوراء لفهم ما جرى . لم يمض زمن طويل على الانتخابات النيابية ، فإذا بنتائجها تنتفخ وتتفجر تحت أقدام أولئك الذين اعتادوا أن يحفر الواحد للآخر من أجل إسقاطه. كتبت أربع مقالات قبل الانتخابات تحت عنوان (لماذا يجب أن نقلق من الانتخابات النيابية القادمة؟). كان واضحا بالنسبة لي أن عملية تسييس الطوائف وتطييف السياسة وصلت الى منتهاها بعد استخدام القوات المسلحة في الرمادي، وقيام بعض العشائر السنية تسليم زمام أمرها الى رجال الدين وأسوأ انواع الاسلاميين ، خالطة بين الملثمين والأفندية السافرة وجوههم متوهمة أن هذا يعدّ سياسة قوية ، جاعلة المطالب المشروعة تنسحب خلف الأساليب التآمرية. كان يأسهم من المالكي الذي لا يثق الا بنفسه قد جرهم الى مواقف مشبوهة. رافق ذلك أن الأوضاع السورية باضت بيوضا شريرة : بيوض ابن الاسد التي فقست عن "النصرة" ، وبيوض "النصرة" التي خرجت منها "داعش" ، بيوض الخليج التكفيرية وحواضن أموالها ، وأوهام الحاضنة المخابراتية لسوريا الاسد التي رعت انواعا من البيوض المسمومة التي غيرت انتماءاتها.. وأخيرا تلك البيوض التي احتضنها حزب الله من دون فهم أفق المعركة التي تحولت الى حرب الطوائف العابرة للحدود.    
لم تكن تلك انتخابات سياسية بل صراع طائفي صريح ومعلن جرى في أسوأ ظرف اقليمي، ويدار من قبل متخلفين ثقافيا وسياسيا، حصدت داعش نتائجه العسكرية، وكانت صافرة لبدء المرحلة الثانية من إعلان حرب اسلاموية على الوطن والوطنية. كان على مكة أن يعاد فتحها فلا يأمن الناس عندها الا من دخل بيت البغدادي!   
قال الستراتيجي الألماني كلاوتزفيتز إن الحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى. ولقد كان التنافس الانتخابي أشبه بحرب بين الطوائف ، عبّرت عنه داعش عسكريا. لقد دارت داعش مع اللعبة التي أدارها المالكي من أجل التجديد لولايته وهو يرتكس بالفشل السياسي. فإذا بالفشل العسكري يظهر صارخا يتوّج كل أنواع الفشل، ويؤكد كل الانكشافات السياسية والتنظيمية للسلطة ، ولقادتها العسكريين غير المؤهلين.              
بعد أن انتهت الانتخابات النيابية ، بدأت أعمال الاصطفاء الطبيعي الطائفي لاختيار الأصلح. ما الأصلح والبلد في حالة نزاع؟ إنه القوي والأقوى، والأكثر حيلة، وليس الأكفأ والأشرف ، فهذا أنسب لمجتمع تحوّل الى غابة. إن طوائف مسيّسة ، ما زالت تعيد إنتاج أوهامها ، وفي ظروف تخلف ثقافي، سوف تستدعي ما يجري في عالم الحيوان عند كل مفصل تنافسي. إن الأصلح في سياق نزاعي هو من ينهي النزاع بالنصر بصرف النظر عن العدالة ، أو من يحافظ على تماسك الطائفة بواسطة الشعوذة والخرافة ونشر الأمية وتضليل الفقراء. 
أدعوكم لتأمل ما جرى قبل الانتخابات وما بعدها فسترون نسخا كثيرة من ذلك العالم الحيواني في الحياة اليومية الاعتيادية ، فقد ألغمت السياسات الطائفية هذه الحياة ، ودفعت الجميع الى حافة الهاوية والاقتتال اليومي والخوف والإحساس بالعجز والعزلة، مقابل توحش أكثر ، وسفالات أعمق ، وإفقار في كل شيء.  
لقد ضيّع المالكي فرصا هائلة معتمدا على جيش كلنا نعرف أنه يفور بالانقسامات الاجتماعية والسياسية ، وقياداته بلا تدريب سياسي وفكري ، وأكثر من هذا غير مؤهلة مهنيا. ولأنه أعاد انتاج وسائل ارهابية ، باستخدام المليشيات بشكل سري في بغداد والمناطق الغربية ، تفككت الحواضن الاجتماعية التي جرى انتزاعها من الارهابيين في الاعوام الماضية ، فتقدم الأخيرون الذين كانوا أكثر يقظة منه لكي يعيدوا الاستيلاء عليها مجددا ، ويصوروا أنفسهم مدافعا أمينا عنها وعن الطائفة : إن الطائفي يصنع طائفيا ، والوسائل الإرهابية تصنع إرهابيين. إن الميكانيكيات من فعل ورد فعل، ومن استنساخ الوسائل القذرة ، تتوالد في ظل الحرب الخفية والصريحة للطوائف التي راحت القوى الارهابية والعملاء الدوليين والاقليميين يجنون نتائجها.
الآن سيغادرنا من يتحمل مسؤولية هزيمة الموصل وقبلها هزيمة بناء الدولة وهو مبرّأ من كل عيب . برأه حزبه ، وبرأته الطائفة التي أهانها إهانة بالغة ، برأه ساسة المحاصصة محتالين على المقاييس الوطنية باسم الظروف ومتطلبات المرحلة والمعركة القائمة. والحال نشهد اليوم عملية اعادة انتاج الوضعية السابقة ، من محاصصة وتوزيع المناصب ، والتصرف وفق المصالح الطائفية والحزبية مستغلة الظروف المأساوية. علينا أن نتوقع أن النظام السياسي الحالي غير المسلح ببرامج الاصلاح، ومعاقبة المقصرين، ونقد التجربة السياسية ، سيعيد انتاج نفس الشروط والقيم والعادات التي أوصلت بلدنا الى الشقاء والهزائم المذلة.
هل المطلوب أن ننسى باسم قيّم تقع خارج التجربة الحيّة؟ لكن ما السياسة إذا كانت تسدّ عينيها عن رؤية التجربة الحية ولا تتفحصها؟ سيتحدثون عن المبادئ . لكن أي مبادئ هذه تكافئ اللصوص وتسيّس العدالة؟  إنها ليست سياسة بل موت الضمير الأخلاقي والوطني .. موتنا.
لا نريد نصر آمرلي أن يغطي على سقوط الموصل. ثمة درسان مختلفان علينا أن نتعلم منهما باتجاه الخروج باستنتاجات صحيحة كي تخاض الحرب ضد داعش في سياق برنامج واسع أوجزه بالنقاط الآتية : إعادة بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية ، وضع قواعد قانونية تمنع بموجبه الأفكار الطائفية وتوجهاتها ، تحرير الدولة من استبداد الأحزاب والجماعات السياسية والمليشيات واعتماد الكفاءة المهنية ، نقد التجربة السياسية بلا خشية ولا تردد ، معاقبة المقصرين والفاسدين وملاحقتهم قانونيا. 
إن العدو الحقيقي القادر على تحويل كل نصر الى هزيمة هو الصمت والتواطؤ والطائفية وعدم احترام القانون والحياة الإنسانية!


  المالكي والدستور ومعصوم واللغة

1- في لحظات جنونية اتهم نوري المالكي الدكتور فؤاد معصوم بأنه خالف الدستور مرتين ، واشتكاه الى المحكمة الاتحادية. تذكروا وجه المالكي الصلد والمنضبط وهو يعلن هذا. لا تعابير زائدة غير كلماته القوية التي صاغها صياغة إداري متمكن من اللغة، لكن للمرة الأولى تسللت من وجهه ، ومن عجالة كلماته وسرعتها ، تعابير الخذلان ، والرغبة بالتأديب. لقد شعر بطعنة صديق اعتقد أنه وراء صعوده وانتخابه رئيسا للجمهورية. 
داخل أزمة وطنية خسر فيها العراق ثلث أراضيه بيد الارهابيين ، وحده الحسّ الاداري الدستوري جعل كلمات المالكي تتلون بالغضب من خيانة الحلفاء والأصدقاء الذين سرقوا استحقاقاته!     
هناك مشتركات بين المالكي ومعصوم قديمة ، تعززت عند كتابة الدستور الذي وافق عليه البرلمان يوم 25 تشرين الاول 2005 عندما كانا الاثنين في لجنة كتابة الدستور ، وتفككت عند اتهام المالكي لمعصوم بأنه خالف الدستور عام 2014 . قبل التاريخ الاخير كانت فقاعة دستورية تتشكل أثناء انتخاب رئيس الجمهورية ، وكان معصوم مجرد مرشح من مجموع ما يزيد عن 100 مرشح، بيد أنناعرفنا جميعا، ولاسيما البرلمانيون، أن معصوم سيصبح الرئيس الجديد للعراق وليس غيره.
من سمع ببلد يتقدم فيه اكثر من 100 شخص غالبيتهم من المغمورين لمنصب رئيس الجمهورية؟ لا غرابة في بلد فقد نخبه الاجتماعية - الثقافية ، ولا توجد فيه طبقة سياسية بالمعنى الدقيق للكلمة ، وعرضت فيه المناصب للبيع ، أو وزعت حسب قواعد المحاصصة ، أو منحت مكافأة من حساب العملية السياسية المفتوح على المليشيات والمسلحين ، ولا توجد فيه تقاليد احترام المناصب ، وتتحكم فيه المؤامرات والخدع والعروض المسرحية. لكن 100 مرشح لرئاسة الجمهورية يجسد غرابة مترعة بالهواجس والاستنتاجات والتكهنات.
هل كان المقصود تنظيم مهرجان عن الديمقراطية العراقية التي لا نظير لها في العالم؟ لكن حتى المهرجانات البائسة تحتاج الى معدّ يمتلك القليل من الخيال السياسي والحس بالواقع. لا أمتلك معلومات عن (المكوّن) الذي أعد هذا المهرجان ، لكن إذا ما أطلقنا الخيال من جانبنا، مع القليل من نظرية المؤامرة، وتأملنا الحالة السياسية ، لوجدنا أن جماعة دولة القانون وخلفها الائتلاف الوطني، أرادا التأكيد على أن لا شيء تغير بشأن رئاستي البرلمان والجمهورية، الأولى لسني والثانية لكردي. الأولى جرت باتفاق وطني ، والثانية اتفق عليها والمطلوب توجيه رسالة بشأنها، أو كان المطلوب أن تقترن بدرس أخلاقي. لكن لا أحد فطن الى أن هذا التدبير سيلحق الإهانة بمنصب رئيس الجمهورية باسم الانتخاب الديمقراطي، وسيُهان على نحو مضاعف بعرض لا يخلو من إخراج سيء في يوم انتخاب رئيس الجمهورية، وستلحق الإهانة بنا نحن الذين بتنا فرجة!
هل خطر في بالكم أن شيئا ما مدبرا حدث في ذلك اليوم؟  دعوني أخمن ، ولا أطلب منكم تصديقي . فمنصب رئيس الجمهورية لا غير عرض في بازار ديمقراطي موسع ، في الوقت الذي كان الجميع يعرف من هو الفائز على وجه التحديد. لقد قدم لنا البرلمان عرضا show على الدستورية الديمقراطية على نحو مبالغ فيه لكي يبدو الامر ديمقراطيا جدا . لكن ألا ترون أن اكثر من 100 مرشح جعل الأمر جنونيا وسخيفا ومكشوفا يستحق وصفه بالمثل الشعبي (علك المخبل.... )؟.
قلت شيئا من نظرية المؤامرة، وأنا بدأت أصدق هذه النظرية في حدود الشرق الأوسط المزروع بالخونة والمجانين والعملاء والمواد الهشة. اقترحوا معي إذن حبكة صغيرة يرسمها المالكي الذي كان يقاتل قتالا شرسا من أجل تمرير الولاية الثالثة . كان قد احتاج الى أصوات الكرد ، ولكي يدلل لهم أن خلافاته معهم ليست شخصية..فلماذا لا يقدم هديته لهم مغلّفة بصعوبات 100 مرشح يجب تصفيتهم ، مع خطب شديدة الحماسة؟
سيصح القول الآن إن الأخذ والعطاء التي بشرت بها الوسطية الاسلامية قادرة على بزّ المساومات التي برعت فيها البرلمانات الليبرالية الغربية: ليسوا أفضل منا! 
والآن عودوا الى وجه المالكي وهو يشدّ على معصوم متهما إياه بمخالفة الدستور مرتين ، فلأن الأمر مرتبط                   بمحاولة سرقة استحقاقه الدستوري ، تماثلت مخالفة الدستور بسرقة الاستحقاقات ، وبات معصوم خصما يمثل الوجه الظاهر من مؤامرة تخفت فيها رؤوس رفاقه في حزب الدعوة ، والائتلاف الوطني، والاميركان، والأمم المتحدة. إن غضب المالكي على معصوم عن خيانته كان أكبر بكثير من غضبه على ضياع ثلث العراق!
2- نعرف أن نوري المالكي وفؤاد معصوم كانا من الجماعة التي كتبت الدستور العراقي الحالي، وأستطيع أن اؤكد أنهما الإثنان كانا من الفاعلين في كتابة هذا الدستور. في هذه اللحظة نستطيع أن نفهم أكثر لماذا كانا كذلك. فالإثنان حصلا على تدريب سياسي مناسب ، ووجدا نفسيهما في وضعية تاريخية ضاغطة قررت أن يُكتب الدستور ملبيا احتياجات القوى التي تعاملت بإيجابية مع سلطات الإحتلال ، واحتلت موقعا سياسيا مؤثرا في مناخ ما بعد 2003 . إن فحصا للحالة السياسية والفكرية لذلك المناخ ، مع الأخذ بالحسبان ميزان القوى الذي أسهم فيه الأميركان بالضرورة ، لن يتوقع دستورا يمشي على سكة ديمقراطية على الطريقة الليبرالية، بل يتوقع دستورا يزاوج ما بين الاسلام والديمقراطية، لا تدقق فيه طويلا الصياغات اللغوية نظرا لضيق الوقت ، واستعجال المسرة ، ومرح المنتصرين. 
والحال لم يلق أحد نظرة على التفاصيل التي نعرف أن الشيطان يرعى فيها ، ولسوف يؤمن حتى الاسلاميون بأن العجلة من الرحمن ، فأمامهم مهمات انتزاع آخر أسلاب الدولة ، وقوانين يجب سنها حتى لا يعود الماضي. إن أصحاب المبادئ المستعجلين يثبتون المبادئ ويتفقون عليها ، مؤجلين التفاصيل الى الغد ، ثم الى ما بعد عام ، ثم يجري نسيانها ، وهو المطلوب في اللاوعي. ليكن الدستور بيضة، ولتكن بيضة بياضها اسلامي وصفارها ديمقراطي ، لكن زمن سلق البيض شيء آخر. الزمن هو الزمن. سلق البيض لن يتجاوز خمس دقائق! 
الدستور الذي كتبه المالكي وجماعته، ومعصوم وجماعته، يمثل الدقائق الخمس بمقاييس نسبية. ليس في العجلة الندامة إذا ما حكمت ظروف توزيع الأسلاب والمناصب.  والحال لم يدرك أولئك الذين كتبوا الدستور وهم بنشوة حرياتهم الجديدة أفق اللغة العربية وألعابها الشعرية التي تدير الرؤوس. ولقد شاء الاسلاميون الشيعة واسلاميو السنة والكرد، أن يقوموا بليّها وزرعها بالفخاح . لقد كتبوه باسم الطوائف والكيانات وليس باسم وطنية جامعة، باسم اللحظة وليس باسم التراكيب الدائمة التي نحب تسميتها بالبنى ، فضلا عن انعدام خيال يرقى الى نسيان الزمن، ولاسيما وجود مستقبل.
3- في خطابه بمؤتمر "الهيئات المستقلة، مفوضية الانتخابات إنموذجاً، النجاحات و الاخفاقات" ولست متأكدا من تاريخه، أشار الدكتور فؤاد معصوم الى موقف سماحة السيد السيستاني في كتابة الدستور عند زيارتهم له. قال سماحته نقلا عن معصوم : (لماذا تستعجلون وضع الدستور، فالعراق عاش لعقود من السنين بدون دستور دائم فليتأخر هذا الدستور ثلاث او اربع سنوات أخرى. المهم أن تتفقوا على بعض الأسس والمبادئ بشكل مؤقت ثم اكتبوا الدستور بأيد عراقية منتخبة).
وحده كردي نزيه لا يخشى اذاعة هذه الواقعة، فأنا لم أسمع هذا الكلام من المقربين من السيد السيستاني. أتساءل : لماذا لم يأخذ السياسيون بهذا الرأي ؟ لماذا ذهبوا الى السيستاني أصلا إذا كانوا قد قرروا اللعبة ما بينهم؟ هذا السؤال غيرموجه الى السيد معصوم وحده بل الى كل السياسيين الذين كانوا يغذون الخطى الى النجف للتبرك بسماحة السيستاني من دون الأخذ برأيه ، كأنهم يمارسون طقسا فولكلوريا لا تترتب عليه أي إلزامات أخلاقية واجتماعية. والحال نفهم الآن أكثر مما مضى اللعبة التي مارسها سياسيو 2003 بقيادة سيء الصيت بريمر : لقد استعجلوا ليضمنوا الصدارة والوجاهة والتصرف بموارد دولة منهارة ، في غياب شبه تام لرأي عام منظم ، ومجتمع مدني قوي يمتلك تجربة في العمل المدني.
في مجتمع جرى تفكيك نسيجه ، ويفتقد الى الدولة ، وأفسدت فيه تركيبات الضبط الاجتماعي والأخلاقي، قام سياسيونا بكتابة الدستور، وذهبوا بمواطنين تضللهم المخاوف الطائفية والأثنية الى الانتخابات من دون إعداد. السيد فؤاد معصوم نفسه يعترف بوضوح يثير الإعجاب : (إن الذين تولوا صياغة الدستور، وأنا منهم، انجرفوا وراء الصيغ الأدبية بدل الصياغة القانونية ..).
الحقيقة أن الذين كتبوا الدستور كانوا قد انجرفوا قبل هذا . ليست الصياغات الادبية - والكثير منها لم تتبدل على الرغم من اتخاذ قرار بتبديلها - هي وحدها المشكلة ، فالخطابات (والفقرات الدستورية ليست منفصلة عنها) لا تتشكل من اللغة وحسب بل من وضعيات تاريخية ومصالح في حالة عمل سياسي معبر عنه باللغة. اللغة هي الواقع المباشر للتفكير وللعواطف الصامتة.. ولإخفاء فار يلعب بالعب!   
لو مدّ الاستاذ معصوم ملاحظاته النقدية أبعد لوجد المأزق السياسي الحالي في طيّات تلك الفترة التي مرر فيها السياسيون مصالحهم باسم الدستور والانتخابات والديمقراطية! 
4-  إذن المالكي ومعصوم . الاثنان مدربان في الإسلاميات وباتا متجاورين في معرفة ما يريده الإسلام وما تريده الحداثة والديمقراطية. المالكي قائد في حزب إسلامي ، وكان يفضل – لولا الخجل والاحتلال الامريكي – كلمات ذات مضمون اسلامي ورؤى اسلامية، كالشورى مثلا. أما معصوم فهو أكاديمي في دروس الاسلاميات ، وقد تعلم أن يعطي للإسلام حقه من حيث المعرفة وللمتأسلمين حقهم السياسي. لعلّ جذوره وتربيته اسلامية قبل أن يتأسس حزب الدعوة، وقبل أن تتأسس جماعة الاخوان المسلمين في العراق، أي عندما كان المسلمون العرب والكرد ليسوا بحاجة الى من يدلهم على الاسلام الصحيح والفرق الناجية. فغالبية الشخصيات الكردية السياسية من يسارييها الى يمينييها ولدت في عوائل متدينة، وبالطبع قبل أن يبتلي الاكراد حالهم حال العرب بالأحزاب الاسلامية والمتشددين. بيد أنه ليبرالي، بالأحرى قومي ليبرالي، والقومي فيه أكبر من الليبرالي نظرا لأن الشعب الكردي مازال يخوض معركة التحرر الوطني وتقرير المصير، في حين أن الوضعية التي يعيشها كرد العراق ملتبسة : فدرالية بلا قوانين تضبط المركز والأقاليم، وبلا ثقافة ذات إنجازات، مع روح انفصالية تنتظر صافرة الحكم الدولي . 
الاثنان مختلفان في الانتماء السياسي، واتفاقهما وجلوسهما في لجنة كتابة الدستور ولدته سلطة عام 2003 التي خلقها الاحتلال الاميركي وسلمها لممثلي الطوائف الكبرى حسب تخمينات إحصائية ، ما دامت الظروف لا تسمح بإجراء إحصاء سكاني. 
يرتبط الاثنان برباط آخر، فمعصوم كان مشرفا على رسالة الماجستير التي تقدم بها المالكي في جامعة صلاح الدين باربيل: استاذ وتلميذ إذن .. دكتور مشرف وطالب متقدم لنيل شهادة الماجستير. في تلك الأيام لم يكن من المتوقع أن يصبح التلميذ رئيسا للوزراء ولا المشرف رئيسا للجمهورية.
الحقيقة لا أعرف لحد الآن عنوان أطروحة المالكي ، هل كانت في اللغة أم في الدين الإسلامي، وما أكثر الموضوعات في الحقلين. هل هذا مهم؟ الحقيقة أمتلك فكرة غامضة ههنا لأني لم أجد مصدرا يشير الى عنوان الاطروحة، من هنا استنتجت ، وقد أكون مخطئا، أن هذا المجهول ربما له علاقة بالسياسة وليس باللغة ولا بالدين. إن تعاشق الدين الإسلامي باللغة العربية مؤكد، فالقرآن يعدّ وثيقة دينية كما يعد وثيقة لغوية. من وجهة نظر تاريخية تعد اللغة العربية كلغة قومية أقدم من القرآن كنص لغوي. والقوميون العرب عامة في سياق هذه الفترة التي ضعف فيها الوعي القومي العربي لمصلحة التيارات الاسلامية ، ما زالوا يخشون الجدل الذي يؤدي بهم الى فتح ابواب المقدسات، وما زالوا يصفون القومية خارج المداليل السوسيولوجية. الواقع أن الحل يقع تحت أبصارهم ، وهو أن العرب والعروبة ليسا فكرتين منجزتين ، بل هما تتمتان من جسد سوسيولوجي وثقافي مجزأ، والقضية اللغوية والدينية تعمل هناك وليس في أي مكان آخر. ليست تجريدية القوميين عملت وحدها ، بل واستسلام الشيوعيين للاخ السوفييتي الاكبر ايضا مع جماد عقولهم، أوصلانا الى لحظة اسلاموية لم تعد فيها اللغة العربية الحامل للفكر القومي (ولكل كلام يصدر عن عربي) قادرة على تفسير ما يحدث في العالم العربي، بل هي تدور حول نفسها في الأدب والشعر مع الكثير من إعادة انتاج ما كان قد أنتج. إن اللغة تستجيب لميزان القوى والتفاهة! 
إن المتعاملين باللغة والأطاريح التي يفترض أن تفكر باللغة، تحيطهم وضعية تجبرهم على التفكير من جهة ميزان القوى ومواءمة أنفسهم مع الاقوياء. لنتأمل إذن حالة استاذ كردي يعرف لغة تلميذه العربي أكثر مما يعرفه التلميذ عن لغته القومية ، فضلا عن أنه يعرف أكثر منه عن الدين لأسباب أكاديمية وليست سياسية. لكن التلميذ الاسلامي يفكر بالإسلام بطريقة سياسية ولا تعدو المعارف عنده سوى أمثلة أو حكايات على وجود فكرة دينية متعالية. يظن التلميذ الاسلامي ، حاله حال كل الإسلاميين، أن الاسلام ما زال مشروعا على المسلمين الحاليين أن يدخلوا فيه افواجا. هذا ما يبرر اسم الدعوة ، كما يبرر فتح مكة ثانيةً. لكن هذا الاسم لا يبرر الديمقراطية ولا فكرة الحداثة التي هي فكرة بنائية ولا يمكن تخيل الدولة الحديثة بدونها. هذا لا يقبله كردي ليبرالي . بالنسبة لمتأسلم الدين وليس العرب هو اللبنة والرابطة والملاط ، وبالقياس تحيل العربية الى كتاب الله وليس الى جسد أمة تتشكل موجوعة. لقد سحبت من العرب مأثرتهم اللغوية وسجلت في حسابات الإسلام السياسي ، وفاعليته المثالية. إن مثل هذا التقدير قد لا يتفق معه مثقف كردي إذا ما أعمل فكره ، لكن قد يرضاه عاطفيا ، ويلتقي بمضمونه سياسيا من خارج المعرفة. في هذه المنطقة من العالم تمارس السياسة الدور الأكبر في تزييف الدين واللغة والثقافة!